فصل: ومن باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيأتهم فقيل لهم لو اغتسلتم.
المهان جمع الماهن وهو الخادم يريد أنهم كانوا يتولون المهنة لأنفسهم في الزمان الأول حين لم يكن لهم خدم يكفونهم المهنة والإنسان إذا باشر العمل الشاق حمي بدنه وعرق سيما في البلد الحار فربما تكون منه الرائحة الكريهة فأمروا بالاغتسال تنظيفًا للبدن وقطعًا للرائحة.
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل».
قوله: «فبها» قال الأصمعي معناه فبالسنة أخذ، وقوله: «ونعمت» يريد ونعمت الخصلة ونعمت الفعلة أو نحو ذلك، وإنما ظهرت التاء التي هي علامة التأنيث لإظهار السنة أو الخصلة أو الفعلة، وفيه البيان الواضح أن الوضوء كاف للجمعة وإن الغسل لها فضيلة لا فريضة.

.ومن باب في الرجل يُسْلِم يؤمر بالغسل:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير العبدي حدثنا سفيان حدثنا الأغر عن خليفة بن حصين عن جده قيس بن عاصم قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن اغتسل بماء وسدر».
قلت: هذا عند أكثر أهل العلم على الاستحباب لا على الإيجاب، وقال الشافعي إذا أسلم الكافر أحببت له أن يغتسل فإن لم يفعل ولم يكن جنبًا أجزأه أن يتوضأ ويصلي. وكان أحمد بن حنبل وأبو ثور يوجبان الاغتسال على الكافر إذا أسلم قولًا بظاهر الحديث قالوا ولا يخلو المشرك في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل ولو اغتسل لم يصح منه ذلك لأن الاغتسال من الجنابة فرض من فروض الدين لا يجزيه إلاّ بعد الإيمان كالصلاة والزكاة ونحوهما.
وكان مالك يرى أن يغتسل الكافر إذا أسلم.
واختلفوا في المشرك يتوضأ في حال شركه ثم يسلم. فقال أصحاب الرأي له أن يصلي بالوضوء المتقدم في حال شركه، ولكنه لو كان تيمم ثم أسلم لم يكن له أن يصلي بذلك التيمم حتى يستأنف التيمم في الإسلام إن لم يكن واجدًا للماء. والفرق بين الأمرين عندهم أن التيمم مفتقر إلى النية ونية العبادة لا تصح من مشرك والطهارة بالماء غير مفتقرة إلى النية فإذا وجدت من المشرك صحت في الحكم كما توجد من المسلم سواء.
وقال الشافعي إذا توضأ وهو مشرك أو تيمم ثم أسلم كان عليه إعادة الوضوء للصلاة بعد الإسلام، وكذلك التيمم لا فرق بينهما ولكنه لو كان جنبًا فاغتسل ثم أسلم فإن أصحابه قد اختلفوا في ذلك فمنهم من قال يجب عليه الاغتسال ثانيًا كالوضوء سواء وهذا أشبه.
ومنهم من فرق بينهما فرأى عليه أن يتوضأ على كل حال ولم ير عليه الاغتسال فإن أسلم وقد علم أنه لم يكن أصابته جنابة قط في حال كفره فلا غسل عليه في قولهم جميعًا، وقول أحمد في الجمع بين إيجاب الاغتسال والوضوء عليه إذا أسلم أشبه بظاهر الحديث وأولى.

.ومن باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضتها:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا إبراهيم بن نافع سمعت الحسن، يَعني ابن مسلم يذكر عن مجاهد قال قالت عائشة: «ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته به».
قولها: «قصعته بريقها» معناه دلكته به ومنه قصع القملة إذا شدخها بين أظفاره فأما فصع الرطبة فهو بالفاء وهو أن يأخذها بين إصبعه فيغمزها أدنى غمز فتخرج الرطبة خالعة قشرها.
قال أبو داود: نا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة حدثنا محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قال: «سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر لتصلي فيه. قال: تنظر فإن رأت فيه دمًا فلتقرصه بشيء من ماء ولتنضح ما لم تر وتصلي فيه».
أصل القرص أن يقبض بأصبعه على الشيء ثم يغمز غمزًا جيدًا، والنضح الرش وقد يكون أيضًا بمعنى الغسل والصب.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثني يحيى عن سفيان حدثني ثابت الحداد حدثني عدي بن دينار قال: «سمعت أم قيس بنت محصَن سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب فقال حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر».
قوله: «اغسليه بماء» دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات لأنه إذا أمر بإزالتها بالماء فأزالها بغيره كان الأمر باقيًا لم يمتثل، وإذا وجب ذلك عليه في الدم بالنص كان سائر النجاسات بمثابته لا فرق بينهما في القياس وإنما أمر بحكه بالضلع ليتقلع المستجسد منه اللاصق بالثوب ثم تتبعه الماء ليزيل الأثر.

.ومن باب الصلاة في شُعُر النساء:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شُعُرنا أو لُحفنا» قال عبيد الله شك أبي.
الشعر جمع الشعار وهو الثوب الذي يستشعره الإنسان أي يجعله مما يلي بدنه والدثار ما يلبسه فوق الشعار.

.ومن باب الرخصة فيه:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا سفيان، عَن أبي إسحاق الشيباني سمعه من عبد الله بن شداد يحدثه عن ميمونة «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض وهو يصلي وهو عليه».
قال: المرط ثوب يلبسه الرجال والنساء يكون إزارًا ويكون رداء، وقد يتخذ من صوف ويتخذ من خز وغيره.

.ومن باب المني يصيب الثوب:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه».
قلت: في هذا دليل على أن المني طاهر ولو كان عينه نجسًا لكان لا يطهر الثوب بفركه إذا يبس كالعذرة إذا يبست لم تطهر بالفرك. وممن كان يرى فرك المني ولا يأمر بغسله سعد بن أبي وقاص، وقال ابن عباس امسحه عنك بإذخرة أو خرقة ولا تغسله إن شئت إنما هو كالبزاق أو المخاط، وكذلك قال عطاء وقال الشافعي المني طاهر وقال أحمد يجزيه أن يفركه.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد البصري حدثنا سليم بن أخضر حدثنا عمرو بن ميمون قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: سمعت عائشة تقول: «إنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ثم أرى فيه بقعة أو بقعًا».
قلت: هذا لا يخالف حديث الفرك وإنما هذا استحباب واستظهار بالنظافة كما قد يغسل الثوب من النخامة والمخاط ونحوه والحديثان إذا أمكن استعمالهما لم يجز أن يحملا على التناقض.
وقد ذهب إلى غسل المني من الثوب عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب وقال مالك غسله من الثوب أمر واجب وإليه ذهب الثوري والأوزاعي. وقال أبو حنيفة: المني نجس، إلاّ أنه قال: يجوز فرك اليابس منه بلا غسل للأثر فيه، وغسل الرطب.

.ومن باب بول الصبي يصيب الثوب:

قال أبو داود: حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قالا: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن قابوس عن لبابة بنت الحارث قالت: «كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه فقلت البس ثوبا آخر وأعطني إزارك حتى أغسله. قال: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر».
قلت: معنى النضح في هذا الموضع الغسل إلاّ أنه غسل بلا مرس ولا دلك وأصل النضح الصب، ومنه قيل للبعير الذي يستقى عليه الناضح فأما غسل بول الجارية فهو غسل يستقصى فيه فيمرس باليد ويعصر بعده، وقد يكون النضح بمعنى الرش أيضًا.
وممن قال بظاهر هذا الحديث علي بن أبي طالب وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق قالوا ينضح بول الغلام ما لم يطعم، ويغسل بول الجارية وليس ذلك من أجل أن بول الغلام ليس بنجس ولكنه من أجل التخفيف الذي وقع في إزالته؛ وقالت طائفة يغسل بول الغلام والجارية معًا.
وإليه ذهب النخعي وأبو حنيفة وأصحابه وكذلك قال سفيان الثوري.

.ومن باب الأرض يصيبها البول:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وابن عبدة في آخرين وهذا لفظ ابن عبدة، قال: حَدَّثنا سفيان عن الزهري عن سعيد، عَن أبي هريرة «أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى ركعتين ثم قال اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعًا ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد وأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه سجلًا من ماء أو قال: ذنوبًا من ماء».
قوله: «لقد تحجرت واسعًا» أصل الحجر المنع، ومنه الحجر على السفيه وهو منعه من التصرف في ماله وقبض يده عليه يقول له قد ضيعت من رحمة الله ما وسّعه ومنعت منها ما أباحه، والسجل الدلو الكبيرة وهي السجيلة أيضًا، والذنوب الدلو الكبيرة أيضًا.
وفي هذا دليل أن الماء إذا ورد على النجاسة على سبيل المكاثرة والغلبة طهرها وأن غسالة النجاسات طاهرة ما لم يبن للنجاسة فيها لون أو ريح ولو لم يكن ذلك الماء طاهرًا لكان المصبوب منه على البول أكثر تنجيسًا للمسجد من البول نفسه فدل ذلك على طهارته. وليس في خبر أبي هُرَيْرَة ولا في خبر متصل ذكر لحفر المكان ولا لنقل التراب.
فأما حديث عبد الله بن معقل بن مقرن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء»، فإن أبا داود قد ذكره في هذا الباب وضعفه وقال هو مرسل وابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وإذا أصابت الأرض نجاسة ومطرت مطرا عاما كان ذلك مطهرا لها وكانت في معنى صب الذنوب وأكثر. وفي قوله: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» دليل على أن أمر الماء على التيسير والسعة في إزالة النجاسات به والله أعلم.

.ومن باب في طهور الأرض إذا يبست:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال ابن عمر: «كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عَزَبا وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يَرُشون شيئا من ذلك».
قوله: «كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد» يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها وتقبل وتدبر في المسجد عابرة إذ لا يجوز أن تترك الكلاب وانتياب المسجد حتى تمتهنه وتبول فيه وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة ولم يكن على المسجد أبواب فتمنع من عبورها فيه.
وقد اختلف الناس في هذه المسألة فروي، عَن أبي قلابة أنه قال: جفوف الأرض طهورها وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: الشمس تزيل النجاسة عن الأرض إذا ذهب الأثر، وقال الشافعي وأحمد الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يطهرها إلاّ الماء.

.ومن باب الأذى يصيب الذيل:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف «أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده».
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا: حَدَّثنا زهير حدثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد أن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: «قلت يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا، قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها. قالت: قلت: بلى قال: فهذه بهذه».
قوله: «يطهره ما بعده» كان الشافعي يقول إنما هو فيما جُر على ما كان يابسا لا يعلق بالثوب منه شيء، فأما إذا جر على رطب فلا يطهر إلاّ بالغسل.
وقال أحمد بن حنبل ليس معناه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك ليس على أنه يصيبه منه شيء.
وقال مالك: إن الأرض يطهر بعضها بعضا إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا فأن النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد فإن ذلك لا يطهره إلاّ الغسل.
قلت: وهذا إجماع الأمة وفي إسناد الحديثين مقال لأن الأول عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن وهي مجهولة لا يعرف حالها في الثقة والعدالة والحديث الآخر عن امرأة من بني عبد الأشهل والمجهول لا تقوم به الحجة في الحديث.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة عن الأوزاعي قال أُنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث عن أبيه، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وطئ بنعله أحدكم الأذى فإن التراب له طهور».
قلت: كان الأوزاعي يستعمل هذا الحديث على ظاهره وقال يجزئه أن يمسح القذر في نعله أو خفه بالتراب ويصلي فيه.
وذكر هذا الحديث في غير هذه الرواية عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد وروي مثله في جوازه عن عروة بن الزبير وكان النخعي يمسح النعل أو الخف يكون فيه السرقين عند طب المسجد ويصلي بالقوم.
وقال أبو ثور في الخف والنعل إذا مسحهما بالأرض حتى لا يجد له ريحا ولا أثرا رجوت أن يجزئه.
وقال الشافعي لا تطهر النجاسات إلاّ بالماء سواء كانت في ثوب أو حذاء.